الاثنين، فبراير 06، 2012

مصر تضيع

الألم يعتصر الجميع فيما حدث لإحراق ذاكرة مصر ممثلة فى المجمع العلمى ، الجميع ممن يشعرون بحجم الفاجعة بكوا بحرقة ، قالت لى الروائية سلوى العسال باكية وهى تحدثنى هاتفيا : إننى لا أستطيع أن أتحمل هذا المشهد ، فقد احترق أغلى ما لدينا من كنوز معرفية ، ولأن بلاد العالم التى ترفع من قيمة العلم تعرف ذلك ، فقد شعرت بحجم الكارثة التى تعرض لها تاريخنا على يد صبية مأجورين لا يهمهم ماذا فعلوا ولا يدركون حجم جرمهم الذى ارتكبوا .

وقادتنى الصدفة لأجلس فى مكتب النقيب أحمد محمد مسعد بهيج رئيس وحدة تراخيص بولاق ومعه إبراهيم نظير إبراهيم مراجع مرور بولاق وأستمع منهما إلى بكاء مر أيضا على حال بلدنا التى أصبحت لعبة فى يد الصغار يدمرون ما يشاءون ويحرقون ما يشاءون دون أن يمنعهم أحد وحين نفيق على حجم الجرم الذى ارتكبوه يكون قد فات الأوان فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما نثرته تلك الريح العاتية التى تعصف بقلوبنا جميعا قبل أن تعصف بتاريخنا المجيد الذى يجله ويقدره العالم أجمع إلا نحن .

لابد أن المجلس العسكرى يعرف تفاصيل كل ما حدث ومن وراء تلك الجرائم التى أخرت مصر سنين طويلة إلى الوراء ولابد أن يكشف لنا من هم هؤلاء المتورطين فى ذلك ومن يحركهم وكم أخذوا فى المقابل من ثمن زهيد مهما غلا ليطعنوا مصر فى أعز ما تملك ، كما لابد أن يأخذوا الجزاء العادل بالقانون على مشهد من الجميع ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه بعد ذلك أن يطعن مصر فى مقتل .

لم يعد المواطن يقبل أن تحجب عنه المعلومة مثلما كان يحدث فى ظل العهد السياسى الفاسد السابق ولن يقبل المواطن أن يهان ثانية ، فقد أهين بما فيه الكفاية حين عاملوه من قبل كشخص فاقد الأهلية لا يجوز له أن يعرف أو أن يختار لنفسه أو أن يعلو صوته بالاحتجاج والرفض حتى فقد بالفعل إحساسه بقيمته بينه وبين نفسه واستسلم لمعنى السلبية واللامبالاة فى كل ما يرتبط بحياته من قرارات مصيرية .

هذه المرة لن أبكى كما بكى المخلصون العاشقون لتراب مصر وإنما سأصرخ فى وجوه كل من يملك زمام الأمر فى مصر من مجلس عسكرى وقضاء وتيارات سياسية ونخبة مثقفة وذوى الرأى والحكمة بأن مصر تضيع من أيدينا ، يعنى إحنا باالبلدى كده " بنتسلم " لأمريكا ، ولن يغفر التاريخ تهاون أى مصرى مهما كان موقعه ومهما كان توجهه فى الحيلولة دون ذلك ، فنحن لن نكون عراقا ممزقا أو سودانا متفجرا أو غير ذلك من البلدان التى انقسمت على نفسها وأصبحت دويلات صغيرة تحت الحماية الأمريكية .

نشر بجريدة المساء 23-12-2011

ليست هناك تعليقات: